اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “انّ لبنان لا يعرف المستحيل، وتاريخنا يخبر أننا شعب لا يتعب من النضال ليحافظ على وجوده”، مجددا الدعوة الى المجتمع الدوليّ بأسره”بألاّ يتخلّى عن بلد الأرز، وما يمثله من ثروة للبشرية جمعاء”، ومشددأ على “انه مصمّم، مهما كلّفه الأمر، على متابعة مسيرة تحرير الدولة اللبنانية من منظومة الفساد السياسيّ والاقتصاديّ والإداريّ التي اضحت رهينة لها، بغطاءٍ من ضمانات مذهبيّة وطائفيّة واجتماعيّة”، وعتبرا “ان المجتمع الدولي بامكانه تقديم مساعدة أساسية للبنان في هذا الاطار، وذلك عبر الوسائل المتاحة لدى الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، لجهة محاربة سرقة الأموال العامّة، وتعقّب التحويلات غير الشرعيّة لرؤوس الأموال إلى الخارج، وبالتحديد ابتداءً من 17 تشرين الأوّل من العام 2019.”
وإذ أشار الرئيس عون الى “انّ المآسي الكثيرة التي حلّت بلبنان، والتي يواجهها اللبنانيّون اليوم، تفوق طاقتهم كما تتخطى قدرتهم على الاحتمال، فالصعوبات الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد أثقلت كاهلهم، وأصابت مدّخراتهم ووظائفهم وهدّدت مستقبل أبنائهم، وفي خضم انتشار وباء كوفيد أتت مأساة انفجار مرفأ بيروت لتضرب قلب عاصمتنا، وتزيد مآسي شعبنا والضرر اللاحق باقتصادنا،، فإنه اعتبر “ان مساعدة المجتمع الدولي أساسيّة مهما كانت طرقها أو آليّاتها أو أدواتها وايّاً كانت القنوات التي سيتم اعتمادها، طالما هي بإشراف الأمم المتّحدة.” كما جدد دعوة المجتمع الدولي “لأن يحسم قضيّة عودة النازحين السوريين إلى أراضيهم لأن بلدنا المستنزف لا يملك البنى التحتيّة ولا السبل المناسبة التي تخوّله الاستمرار في استقبالهم أو حتّى تقديم أيّ دعم لهم.”
ورأى رئيس الجمهورية “انّ أولويّتنا اليوم هي تشكيل حكومة من خلال اعتماد معايير واحدة تطبق على جميع القوى السياسية،”، كاشفا “ان المطلوب من الحكومة العتيدة أن تطلق في الوقت عينه ورشة الاصلاحات البنيوية الملحّة، وإعادة إعمار بيروت، وتطوير خطة التعافي المالي والاقتصادي ووضع أطرها التنفيذية.”
مواقف رئيس الجمهورية جاءت في الكلمة التي القاها في “المؤتمر الدولي الثاني لمساعدة ودعم بيروت والشعب اللبناني”، الذي انعقد عبر الفيديو مساء اليوم، في العاصمة الفرنسية باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وترأسه الرئيس الفرنسي وامين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وشارك فيه نحو 30 رئيس دولة وحكومة ووزيراً، إضافة الى مدراء منظمات دولية ومالية وجمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية.
وقبل القائه كلمته، استمع الرئيس عون والمشاركين في المؤتمر الى كلمة عدد من الشباب اللبناني المنتمين الى منظمات وجمعيات أهلية وغير حكومية عبروا عن مشاعرهم ومعاناتهم جراء الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في آب الفائت.
وقال الرئيس عون ان الشباب اللبناني عبّر عن هواجسه وتجذره العميق ببلده، وامله الكبير بمستقبل لبنان.
كلمة الرئيس عون
وفي ما يلي ترجمة كلمة رئيس الجمهورية التي القاها باللغة الإنكليزية في المؤتمر:
“أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
سيّداتي سادتي،
أودّ بدايةً أن أتقدّم بالشكر إلى فخامة الرئيس والصديق إيمانويل ماكرون، للدعم القوي والمستمرّ الذي يقدّمه للبنان من دون هوادة. وعلى الرغم من العوائق التي تواجهها المبادرة الفرنسيّة، لا بدّ لها من النجاح، لأن الأزمات التي يمر بها البلد قد وصلت إلى أقصى حد. ونعلم أن “المستحيل ليس فرنسياً”.
واني أتقدّم بالشكر أيضًا الى سعادة الأمين العامّ للأمم المتّحدة السيّد أنطونيو غوتيريس، إضافة إلى السيّدات والسادة المسؤولين والرؤساء الموجودين هنا اليوم، والذين أظهروا نيّتهم الصادقة في تقديم العون للبنان وشعبه.
إنّ الرسالة التي وجّهتها إلى البرلمان عقب توقّف التدقيق المالي الجنائي قد لاقت إقبالاً وإجماعًا عامًّين. هذا الرهان الوطنيّ الذي أتمسّك به شديد التمسّك، والذي دأبت على المطالبة به منذ العام2005، إنّما يتخطّى النزاعات السياسيّة، ومن دونه لن تكون هناك أي اتّفاقيّة مع أيّ دولة راغبة في مساعدة لبنان، ولا حتّى مع صندوق النقد الدوليّ. وجاء ردّ الكتل البرلمانيّة مؤيّدًا بالإجماع لتدقيقٍ كاملٍ وشاملٍ.
والتدقيق سيبيّن جميع المسؤولين عن انهيار نظامنا الاقتصاديّ، كما سيفتح الطريق أمام الإصلاحات الضروريّة لإعادة بناء الدولة اللبنانيّة.
إنّني مصمّم، مهما كلّفني الأمر، على متابعة هذه المسيرة حتّى النهاية، لتحرير الدولة اللبنانية من منظومة الفساد السياسيّ والاقتصاديّ والإداريّ التي اضحت رهينة لها، بغطاءٍ من ضمانات مذهبيّة وطائفيّة واجتماعيّة.
ولا شك أنه بإمكانكم أن تقدموا للبنان مساعدة أساسية في هذا الاطار، وذلك عبر الوسائل المتاحة لدى الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، لجهة محاربة سرقة الأموال العامّة، وتعقّب التحويلات غير الشرعيّة لرؤوس الأموال إلى الخارج، وبالتحديد ابتداءً من 17 تشرين الأوّل من العام 2019.
إنّ أولويّتنا اليوم هي تشكيل حكومة من خلال اعتماد معايير واحدة تطبق على جميع القوى السياسية، والمهام التي تنتظرها ضخمة. فالمطلوب من الحكومة العتيدة أن تطلق في الوقت عينه ورشة الاصلاحات البنيوية الملحّة، وإعادة إعمار بيروت، وتطوير خطة التعافي المالي والاقتصادي ووضع أطرها التنفيذية.
سيّداتي، سادتي،
إنّ المآسي الكثيرة التي حلّت بلبنان، والتي يواجهها اللبنانيّون اليوم، تفوق طاقتهم كما تتخطى قدرتهم على الاحتمال. فالصعوبات الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد أثقلت كاهلهم، وأصابت مدّخراتهم ووظائفهم وهدّدت مستقبل أبنائهم. وفي خضم انتشار وباء كوفيد 19 الذي يمعن ولمّا يزل، في الحاق الضرر على كافة الصعد، بكل دول العالم ونحن من بينها، أتت مأساة انفجار مرفأ بيروت لتضرب قلب عاصمتنا، وتزيد مآسي شعبنا والضرر اللاحق باقتصادنا.
وباتت مساعدتكم، من جرّاء هذه الأزمات المتراكمة والمتصاعدة، لا غنى عنها لجميع اللبنانيّين في أي منطقة كانوا.
إنّ مساعدتكم أساسيّة مهما كانت طرقها أو آليّاتها أو أدواتها وايّاً كانت القنوات التي ستعتمدونها، طالما هي بإشرافكم وإشراف الأمم المتّحدة. ومن الجدير ذكره ان لبنان يفاوض حالياً البنك الدولي على قرض وقدره 246 مليون دولار لمشروع “شبكة الأمان الاجتماعي- أزمة الطوارئ في لبنان والاستجابة إلى كوفيد 19″ على ان تنتهي المفاوضات هذا الاسبوع، ونحن نأمل الحصول على الموافقة العاجلة من مجلس المديرين للبنك الدولي.
إنّ المساعدة الدولية أساسيّة وضرورية، خصوصاً وأنّ لبنان ما زال يعاني ويدفع الأثمان الباهظة جرّاء نزوح أعداد ضخمة من السوريّين الوافدين إليه. ومن الملحّ اليوم، أكثر من أيّ وقت سبق، أن يحسم المجتمع الدوليّ قضيّة عودتهم إلى أراضيهم. إنّ بلدنا المستنزف لا يملك البنى التحتيّة ولا السبل المناسبة التي تخوّله الاستمرار في استقبالهم أو حتّى تقديم أيّ دعم لهم.
أيها الأصدقاء،
إنّ لبنان أيضاً لا يعرف المستحيل، وتاريخنا يخبر أننا شعب لا يتعب من النضال ليحافظ على وجوده.
لقد دعوتُ اللبنانيين للنهوض معاً ورفع الصوت في المكان الصحيح للضغط حيث يجب، لنفوز بمعركتنا ضدّ الفساد، هذه المعركة المصيريّة للبنان.
وها أنا اليوم، ومن على هذا المنبر، أطلب من المجتمع الدوليّ بأسره ألاّ يتخلّى عن بلد الأرز، وما يمثله من ثروة للبشرية جمعاء.”