بقلم د.فيصل مصلح – مدير هيئة الأبحاث والدراسات الإستراتيجية – بيروت
ثلاث ركائز اساسية ضرورية لتشكيل الدولة، هي الأرض والشعب والسلطة، ومن ثم يأتي العقد الإجتماعي لينظم علاقة الشعب بهذه السلطة
الفرضية الرئيسية التي تنادي بها نظرية العقد الاجتماعي هي أن القانون والنظام السياسي ليسا طبيعيين، بل هما من اختراع البشر. يعمل العقد الاجتماعي والنظام السياسي الذي ينشأ عن هذا العقد كوسيلة للوصول إلى غاية سامية، وهي منفعة الأفراد الذين يشملهم العقد الاجتماعي، ويكون العقد الاجتماعي شرعيا فقط ما داموا أي الشعب والسلطة يؤدون ما اتفقوا عليه
المهمة الرئيسية الأولى للسلطة حسب نظرية توماس هوبز في العقد الإحتماعي هي تأمين الأمن للمواطن، بمعنى آخر يتنازل الفرد عن حقه في الدفاع عن نفسه لصالح السلطة التي تقوم بإحقاق الأمن الفردي والجماعي. يضيف جان جاك روسو الفيلسوف المنظر للثورة الفرنسية أهمية تأمين الخير العام -يسميها الإرادة العامة-إلى جانب أهمية الأمن، وكذلك الفيلسوف جان لوك المنظر لليبرالية الذي يشير اليها بمصطلح الحقوق الإجتماعية
الخير العام يمكن أن نختصره بعبارة بسيطة تسهيلية على القارئ وهي (أن يكون اليوم أفضل من أمس وأن يكون غداً أفضل من اليوم ) أي أن تكون حياة المواطن بحالة تتطور إلى الأفضل على جميع الأصعدة، الإجتماعية والإقتصادية والأمنية وغير ذلك
بالنسبة للبنان نرى أن هناك خللاً وظيفياً في العقد الإجتماعي بل أكثر من ذلك فهو معطل على مختلف الأصعدة لذلك لا يكون الحل سوى بمؤتمر تأسيسي وهو عادة ما تلجأ إليه الدول للخروج من أزماتها المستعصية حيث يصل النظام القائم إلى حالة الموت والإهتراء التام يصعب معها إعادة إحياؤه من جديد وكل المحاولات لإحيائه لا تشبه سوى من ينظم المقاعد على ضهر سفينة تغرق، كما تقول الحكمة الأجنبية الجديدة
( You are just rearranging deck chairs on the titanic )
إنطلاقاً من هذه النظرة الواقعية والفلسفية ينطلق الأمير طلال أرسلان بمطالبته منذ سنوات طويلة بضرورة عقد مؤتمر تاسيسي جديد في لبنان ينتج عنه نظام سياسي جديد يعيد التوازن السليم لعلاقة الإنسان بالدولة على قاعدة الحقوق والواجبات وليس على قاعدة الطائفة والمحسوبيات التي دمرت الدولة وأفقرت الشعب واصابة العقد الإجتماعي القائم في مقتل فلسان حاله يقول: توقفوا عن وضع فاصلة عندما يحتاج الأمر إلى وضع نقطة
ويُشهد لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني عبر دعوته هذه، بثلاث ميزات
الميزة الأولى هي أنه كان من أول الدعاة لهكذا خطوة، بينما كان ولا يزال كثيرين من الأقطاب السياسيين في لبنان يحاولون تنظيم المقاعد على ضهر السفينة التي تغرق عبر إعادة إحياء النظام الطائفي القائم بحقنه بمسكنات وجرعات ووصفات سياسية كلها بائت بالفشل الكبير
الميزة الثانية في دعوة الأمير طلال أرسلان هذه هي أنه كان يطالب السياسيين اللبنانيين بالذهاب لهكذا مؤتمر من تلقاء ذاتهم وبإرادة داخلية سيادية ومن باب الحاجة والمصلحة الوطنية، أما اليوم فنحن نرى أن هذه الفكرة أي فكرة المؤتمر التأسيسي تناقش بقوة في عواصم غربية وأجنبية وربما قد تفرض علينا بطريقة أو بأخرى بما يتناسب مع مصالح هذه الدول وليس بما يتناسب مع مصالحنا الوطنية
أما الميزة الثالثة فهي أنه انطلق بهذه الدعوة من باب المصلحة الوطنية العليا وليس من باب المصلحة الشخصية السياسية أو الإنتخابية الضيقة بعكس معظم المبادرات السياسية الأخرى التي كانت تطلقها الكثير من الأحزاب وأغلبها من باب المصلحة السياسية الحزبية أو الطائفية الضيقة
كان من الأجدى بالقوى السياسية اللبنانية أن تأخذ المبادرة من تلقاء ذاتها وتذهب إلى مؤتمر تأسيسي إنطلاقاً من حس المسؤولية الوطنية العليا وانطلاقاً من أنهم مؤتمنين على الدولة وركائزها ومصالح الشعب اللبناني وانطلاقاً من ركيزة السيادة والإستقلال والقرار الحر، بدل أن تنتظر زيارات الرؤساء والسفراء والإقتراحات الدولية لحل أزماتنا الوطنية وهذا هو خير دليل على أن العقد الإجتماعي الحالي مصاب في مقتل
بقلم د.فيصل مصلح – مدير هيئة الأبحاث والدراسات الإستراتيجية – بيروت