في مقابلة خاصة مع الإعلامي داني حداد عبر قناة “Mtv”، تحت عنوان “بين بشير وسمير”، في مناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس بشير الجميّل، تحدث رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، عن تفاصيل يوم اغتيال الرئيس الجميّل وعن بشير القائد، والأحداث التي رافقت تلك الفترة من تاريخ لبنان.
في 14 أيلول 1982، كان جعجع في ثكنة “القطارة” عندما تلقى نبأ وقوع انفجار في بيت “الكتائب” في الأشرفيّة حيث كان الرئيس بشير الجميّل يعقد اجتماعاً. يروي جعجع: “كنت في مكتبي في الثكنة، وإذ نادوني للنزول إلى غرفة الإشارة. لم يكن هناك التطور التكنولوجي الموجود اليوم… نزلت إلى غرفة الإشارة، وكانوا يتواصلون معنا من “المجلس الحربي” عبر الجهاز اللاسلكي. أخبرونا بأن الشيخ بشير كان يعقد اجتماعاً في بيت الكتائب في الأشرفية، ودوّى انفجار كبير في المبنى”. ولفت إلى أنه بعد تلقيه النبأ توجّه فوراً إلى “المجلس الحربي”، وقال: “عند وصولي، وجدت الساحة تعج بالناس ومكتب الشيخ بشير يزدحم بالسياسيين وعلى رأسهم الشيخ بيار الجميّل رحمة الله عليه، ولكن لم تكن هناك معلومات مؤكدة”، وأشار إلى أنه التقى بعد فترة من الإنتظار بصديق له في “الكتائب” يدعى أسعد سعيد الذي أكّد له استشهاد الشيخ بشير بعدما تعرف الأخير على جثمانه في المستشفى من خاتمه.
يؤكد جعجع أن هاجس اغتيال بشير الجميّل كان موجوداً منذ فترة طويلة، حتى قبل انتخابه رئيساً، منذ أن افتدته ابنته مايا. وأوضح أن “الشيخ بشير كان لديه هذا الهاجس، ولذلك شكّل فريقاً أمنياً خاصاً لحمايته”. وأوضح ردا على سؤال عما إذا كان اغتيال بشير هو السبب في اتخاذه الحيطة الأمنيّة، اشار الى أن اغتيال بشير لم يكن الهاجس الأمني الوحيد لديه لاتخاذ كل هذه الإجراءات، وقال: “صحيح أن اغتيال الشيخ بشير شكّل هاجساً أمنياً بالنسبة لنا، ولكنه ليس الوحيد، باعتبار أنه منذ الشيخ بشير مرورا بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى اللواء وسام الحسن الذي كان رجلاً أمنياً، كلها مجتمعةً تدفعنا إلى اتخاذ الحيطة الأمنية اللازمة، باعتبار أننا في مواجهة أطراف من الممكن في أي وقت أن تقدم على الاغتيال لأهداف سياسية. لذلك المسألة بحاجة إلى احتياطات كبيرة”.
ويروي جعجع كيف كانت بدايته مع بشير الجميّل في السبعينيات عندما كان من القاعدة الكتائبية ولم يكن في موقع قيادي بارز. التقى بشير لأول مرة في اجتماعات عامة في الحزب. وقال: “الشيخ بشير كان يحضر اجتماعات عادية بالرغم من كونه نجل مؤسس حزب الكتائب”، ولفت إلى أن العلاقة تطورت تدريجياً بعد حرب الكورة في العام 1976، حيث عُيّن قائداً لـ”ثكنة دده” وبدأ يحضر اجتماعات عسكرية رسمية برئاسة بشير.
يشير جعجع إلى أن بشير الجميّل كان يتميز بجرأة كبيرة في اتخاذ القرارات، حتى تلك التي كانت تتطلب تضحية شخصية، ويشدد على أن “بشير اتخذ الكثير من القرارات التي لم تكن في مصلحته الشخصية”، معتبراً أن “واحدة من المشاكل الأساسية التي يعانيها لبنان اليوم هي غياب الجرأة لدى المسؤولين في اتخاذ القرارات الصعبة”. بحسب جعجع، كان بشير شخصاً يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، من دون أن يفكر بالسياسة أو تأثير القرارات على صورته الشخصية.
وفي سياق آخر من المقابلة، تطرق جعجع، ردا على سؤال عما إذا كان يفصل ما بين بشير كشخص وانتمائه إلى عائلة سياسيّة تقليديّة باعتبار أنه كان ولا يزال ثائراً على العائلات السياسيّة التقليديّة، قال: “لم أكن أؤيد الزعماء التقليديين الذين يرعون مصالح عائلاتهم فحسب”. وأضاف: “إن حزب الكتائب لم يكن يمثل عائلة سياسية تقليدية في بداياته مع بيار الجميّل الجد. فقد كان أقصى اهتمامه هو الشأن العام، وأكبر دليل على ذلك، أنه بدأ عمله السياسي في العام 1937 في قتال الانتداب الفرنسي على لبنان. في حين أن العائلات السياسية التقليدية لا تقاتل انتداباً ولا تقاتل أحداً. العائلات السياسية التقليدية تمشي بركاب الانتداب إذا كان موجوداً، ولحظة رحيله يشتمونه. آل الجميّل عندما انضممنا الى حزب “الكتائب” لم يكن طابعهم طابعاً عائلياً تقليدياً. هذا بما يتعلق ببيار الجميّل الجد، وهنا أفصل هذا الأمر كلياً عمّا عاد وحصل لاحقاً، باعتبار أن هذا بحث آخر. أما بالنسبة لبشير الجميّل، فهو أساساً كان ثائراً على العائلات التقليدية. لذا لم أجد نفسي في أي لحظة في حالة انفصام مع ذاتي، بمعنى أنني ضد العائلات التقليدية في بشري بينما أنا مع عائلة تقليدية في لبنان، باعتبار أنني لم أكن أصلاً مع عائلة تقليدية. كنت مع أفراد من عائلة تقليدية، ولكنهم يتصرفون بكل ما هو مغاير للتقليد”.
وحول ما إذا كان، في حينه، جناحان داخل حزب “الكتائب”، جناح يمثل بشير الجميّل وآخر يمثل بيار الجميّل الجد وأمين الجميّل، نفى جعجع ذلك وأكد أن بيار الجميّل كان دائماً على علم ودراية بما يقوم به بشير. وقال: “في حقيقة الأمر، لو لم يكن بيار الجميّل راضياً، لا بل موافقاً على ما يقوم به بشير، لكان أوقفه منذ اللحظة الأولى. وهنا جدياً لا أدري ما إذا كان وصول الرئيس أمين الجميّل نائباً في المتن وراءه بيار الجميّل او قرر أمين ذلك شخصياً أو أن هذا الأمر أتى ضمن إطار التسلسل الطبيعي للأمور. لا أدري ولا أريد الحكم على أمور أجهلها. ولكن ما أدركه هو أنه يجب ألا تظن للحظة واحدة أن بشير الجميّل كان يمرّر خيط قطن واحدا من دون معرفة بيار الجميّل الجد. الأخير كان يتظاهر أمام الجميع بأن لا دراية له بما يحصل، لأنه طيلة حياته السياسية كان يعمل بنمط مختلف عن بشير. ولكن يمكنني أن أؤكد أنه كان دائماً على علم ودراية بما يقوم به بشير. لذا ما يمكن أن نقوله إنه كان هناك نمطان في العمل: نمط بشير ونمط أمين، وشاءت الظروف أن يكون بيار الجميّل والد الاثنين، وبالتالي هنا تصرّف كأب أكثر مما تصرّف كرئيس للحزب”.
وأكد جعجع انه بعد استشهاد بشير، كانت المدرسة القديمة في حزب الكتائب ما تزال متحكمة. وبيّن أن هذا كان السبب الذي دفع بشير لتأسيس “القوات اللبنانية”، حيث شعر أنه لم يعد بإمكانه التعايش مع الحرس القديم. ورغم محاولات جعجع ورفاقه البقاء داخل الحزب، إلا أن المدرسة القديمة كانت أقوى، ما دفعهم للتركيز على “القوات اللبنانية”، وقال: “لا يمكن أن أقول إننا حوربنا، ولكن يمكن أن أقول إن المدرسة القديمة في حينه كانت متحكمة بشكل كبير بحزب “الكتائب”. في الأحوال كافة، هذا هو السبب الذي دفع بشير الجميّل إلى إنشاء “القوات اللبنانية”، التي كان من المفترض أن تكون “مجلس الأمن” في حزب “الكتائب اللبنانية” أو القوى النظامية في الحزب. كان من المفترض أنه بدلا من أن يكون هناك “القوات اللبنانية”، أن تكون هناك القوى النظامية في حزب “الكتائب”. الشيخ بشير أسس “القوات اللبنانية” لأنه شعر، بالرغم من كل قوته ومحبة الآخرين له، حتى داخل الحزب، بأنه لم يعد باستطاعته التعايش مع المدرسة القديمة ومع الحرس القديم الذي في الحزب. فكم بالحري عندما استشهد بشير الجميّل، كيف لهم أن يقبلونا نحن. بقينا موجودين، والمعركة التي حاولنا القيام بها داخل حزب “الكتائب” لم يقم بها الشيخ بشير وفضّل الذهاب إلى “القوات اللبنانية”. نحن حاولنا باعتبار أننا في حينه أصبحنا أقوى. وبخلاف ما يعتقد البعض، فنحن قلنا يومها بما أن لدينا “القوات” و”الكتائب” كانت موجودة وبشكل وازن ونحن جميعاً كتائبيون مخضرمون، لماذا لا نحاول بدل أن نخلي الساحة؟ حاولنا، إلا أن المدرسة القديمة كانت أقوى منا”.
ويعتبر جعجع أن بشير الجميّل لو بقي على قيد الحياة لكان رئيساً مختلفاً عن كل من سبقوه. “بشير كان يملك جرأة اتخاذ القرار، وكان يريد بناء دولة سيادية حقيقية”. ويؤكد جعجع أن بشير كان لينجز نسبة كبيرة من الأهداف التي كان يسعى لتحقيقها، حتى لو واجه عوائق سياسية. وقال: “يمكن “ما يخلوك” بنسبة 5%، 10%، أو 20%. وإن قاموا بذلك، عليك أن تجد السبيل لتتخطى الصعوبات والأشخاص الذين يعرقلونك. ولكن في كل الأحوال، هؤلاء جماعة “ما خلونا”. إذا كان صحيح أنهم “ما خلّوهم” في ملف الكهرباء، فلماذا أصرّوا دائما على هذه الحقيبة؟ ولماذا يكملون عملهم السياسي اليوم؟ هذا بحث آخر، ولا نريد أن نتحول من الكلام الجدي إلى المزاح، باعتبار أن هؤلاء مزحة قبالة ما كنا نتكلم عنه. بشير الجميل تصدى للكثير من الأمور التي عرقله فيها كثيرون، وكان يُحارب في بعض الأحيان من داخل حزب “الكتائب اللبنانية”. يمكننا القول إن بشير الجميّل كان أكثر شخص يمكنه قول “ما خلونا” وبكل راحة ضمير وسهولة، إلا أنه كان يقوم بمئة محاولة ومحاولة من أجل الالتفاف حول المصاعب والمشاكل وحول من يعارضه، من أجل الوصول إلى مبتغاه. وهذا هو القائد الفعلي. ومن المؤكد أن فترة حكمه كانت لتكون مختلفة تماماً عن كل ما رأيناه سابقاً وحالياً. السبب الأساسي لذلك هو أنه شخص لديه الجرأة في اتخاذ القرار. توجهه السياسي كان واضحاً، وكان يريد قيام دولة سيادية، وليس دولة “خنفشارية”، أبوابها مخلوعة يدخلها من يشاء ويخرج منها من يشاء. أما بالنسبة للنظافة والاستقامة، فبمجرد انتخابه رئيساً، وقبل استلامه مقاليد الحكم، انتظمت الإدارة اللبنانية. هذا على صعيد مشروعه السياسي. أما بالنسبة لمسألة الترجمة الفعلية، فقد تبين لنا أنه مختلف تماماً. أي شخص غير بشير الجميّل، وفي تلك الظروف ما بين العامين 1975 و1982، لم يكن ليتمكن من اجتياز كل ما اجتازه بشير وفي تلك الأوضاع. هناك الكثير من الملفات التي لا أريد العودة إليها، ولكن على سبيل المثال، ليس هناك من ثورة اندلعت بأقوى مما اندلعت فيه الثورة السورية، إلا أنها تشرذمت ولم يستطع أي طرف الاتفاق مع الآخر، وتفتتت إلى مئات الأجزاء. إلى حد أنه كان من الممكن لهذه الثورة أن تكون الأكبر في القرن الـ 21 لتخلّص السوريين أنفسهم و”يخلّصونا” معهم. إلا أننا رأينا إلى ماذا انتهت. بشير الجميّل كان في وضع لا يُحسد عليه أبداً، ورأينا جميعاً ما تمكن من القيام به. لذا، من المؤكد أن بشير كان ليكون رئيساً لديه جرأة اتخاذ القرار. عندما يكون لديك رئيس يتخذ قراراً معروف الاتجاه، عندها يجب ألا تخاف أبداً. صحيح أنه من الممكن ألا يتمكن من إنجاز كل ما يريده، إلا أنني متأكد من أنه كان لينجز ما يزيد عن 50% مما كان يريد القيام به. ونحن كنا لنرضى بـ 20% فقط مما كان يريد القيام به”.
وأكد جعجع أن العقبة الأكبر أمام السيادة اللبنانية اليوم هي “حزب الله”، الذي يسيطر على أكثرية الطائفة الشيعية. رغم ذلك، يرى جعجع أن الحلول السياسية لا تزال ممكنة. وقال “لو بقي بشير على قيد الحياة، لما كان هناك “حزب الله”، ولما كان هناك أي تنظيم مسلح آخر”.
أما بالنسبة لقضية حبيب الشرتوني، المدان باغتيال بشير الجميّل، فقال جعجع: “فتح الملف وحوكم، ولكن المشكلة الأساسية هي نظام الأسد الذي كان وراء الاغتيال”. جعجع أضاف أن الشرتوني ربما يقضي وقته في سوريا اليوم، حيث لا يمكن للقوى الأمنية اللبنانية أن تصل إليه.
ويصف جعجع علاقته بالشيخ بشير بأنها كانت عادية قبيل فترة استشهاده، مشيراً إلى وجود خلاف حول “حاجز البربارة” أثر على العلاقة. وقال: “العلاقة لم تكن في أحسن حالاتها، ولكنها كانت عادية”.
ويرى جعجع أن بشير الجميّل لا يزال حياً في “القوات اللبنانية”، وأن الحزب لا يزال يواجه التحديات ذاتها التي كان يواجهها بشير، بما في ذلك التنظيمات المسلحة ومحاولات الهيمنة الخارجية. وقال: “القوات” لا تزال تواجه المشاكل عينها العقبات ذاتها التي واجهها بشير. كان هو يواجه التنظيمات المسلحة الفلسطينية، في حين أن لدينا نحن اليوم “حزب الله” الذي هو أصعب لسبب بسيط، وهو أن أولئك كانت نقطة ضعفهم كبيرة في عصب وجودهم، باعتبار أنهم غرباء وموجودون على الأراضي اللبنانية. في حين أن “حزب الله” لبناني. الصعوبة الثانية كانت سوريا ومحاولاتها للهيمنة على لبنان، أما الآن فجل ما في الأمر أنها استبدلت بإيران، التي هي أكبر بكثير من سوريا وأذكى بكثير في تصرفاتها من سوريا. لا نزال في مواجهة الوضعية نفسها، ونواجه بالطريقة نفسها التي كان يواجه بها بشير. لذا يمكنني القول وبشكل مؤكد إن “بشير حي فينا”. أما لناحية الدولة والتصرفات تجاه الدولة، فالجميع يعلمون ما هو موقف “القوات” من الفساد وكيف هي ممارساتها في الشأن العام، والوزارات والنيابات وفي الأماكن التي توجد فيها. لذا “بشير حي فينا” من النواحي كافة، وأكثر من أي وقت مضى، لأنه وللأسف، بعد 42 عاماً على استشهاد بشير الجميّل، لا نزال نواجه، ولو بأسماء وأوجه مختلفة، الصعوبات ذاتها، والقضايا ذاتها التي كان يواجه”.
في الختام، شرح جعجع شعار “الغد لنا” الذي يرفعه حزب “القوات اللبنانية” والذي بالشكل يناقض شعار “مات الحلم” الذي رفع عقب استشهاد بشير، قال: “في تلك اللحظة، كان هذا شعورنا جميعاً، وأكبر دليل على ذلك ما حصل بعدها. يومها كان الحلم يتجسد ببشير الجميّل، ولكن لا يمكننا أن نبقى في الماضي. علينا أن نقوم بلملمة جراحنا ووجعنا ونستمر، لكي نحاول تحقيق الحلم من جديد. وهذا ما قامت به مجموعة كبيرة من الرفاق في “القوات اللبنانية”. هناك مجموعة رحلت مع زوال الحلم في رأيها، وتركت “القوات”، ولكننا اخترنا نحن الاستمرار لكي نعيد الكرّة في محاولة تجسيد الحلم. وأنا أعتقد أن بشير من المكان الذي هو فيه الآن سيكون فخوراً جداً بـ “القوات” الموجودة في الوقت الراهن، لأنها تماماً كما كان يريدها أن تكون، وكما كان يأمل أن تكون، وكما كان يتصورها. وفي المشروع السياسي ذاته وفي الاتجاه والممارسات”، موضحاً أن الغد هو لجميع اللبنانيين الذين يسعون لبناء دولة تحترم الدستور والقوانين. “وإذا لم نلتزم هذه الأمور، فلن يكون لدينا بلد”.
1 comment
çekmeköy elektrikçi Google SEO stratejileri ile işimizi büyüttük. Ziyaretçi sayımız katlandı. https://royalelektrik.com/